رحلة الركض وراء المازوت بدمشق
كل شيء يدفع للقلق والخوف بدمشق، طوابير الشاحنات وسيارات النقل الصغيرة التي تتجمع عند محطات الوقود للحصول على المازوت، وإلى جوارها طوابير من الأطفال والنساء يحملون غالونات صغيرة للحصول على عشرة إلى عشرين لترا فقط من وقود التدفئة.
الحواجز الإسمنتية تتزايد كل يوم أمام المباني الحكومية.. وبين هذه وتلك حواجز أمنية مكثفة في المداخل الرئيسية للعاصمة، لا تريح أحدا.
الكهرباء تقطع ثلاث ساعات، وتأتي ثلاثة انقطاعات ليصبح المجموع الكلي 12 ساعة يوميا. طلاب يريدون الدراسة، وعائلات كانت تستخدم التكييف في ظل غياب المازوت ومستوصفات وعيادات تتعطل.. وطريقة حياة كاملة بدأت تفرض حضورها على السوريين.
مشهد صاخب
هذه المناظر التي باتت جزءا من المشهد العام لدمشق تضغط على نفسيات متعبة لم تعد تتحمل أية ضغوط جديدة بعد نحو عام من مشهد صاخب بالدم والخوف والحبس بالمنازل وخصوصا يوم الجمعة.
في ضواحي دمشق يتجمع عدد من سائقي الحافلات الصغيرة (الميكروباصات-المسماة باللغة الدارجة هنا "السرفيسات") دفعة واحدة أمام مخفر الشرطة، وقد قرروا الإضراب لأنهم لا يجدون المازوت، وإن وجدوه فبعد ساعات من الانتظار عند محطات الوقود.
إنه احتجاج لم يكن واردا ولا في الأحلام قبل 15 مارس/ آذار الماضي. يدخل السائقون في جدال مع رئيس المخفر ومع مندوبين عن البلدية والأجهزة الأمنية المستنفرة لمواجهة أي طارئ .
صراخ ونقاش محتدم يستطيع بعده رئيس البلدية إحضار صهريج مازوت يفي بالغرض ولو إلى حين.
حل جديد لكنه مؤقت كي لا يكبر الموضوع في توقيت لا يحتمل. الحالة تتكرر لكن لا تنتهي دوما بالطريقة ذاتها بأماكن أخرى.
أطفال ونساء
المتضرر الأكبر الناس الذين يتجمعون بالآلاف للوصول إلى أعمالهم وأشغالهم في ظل توقف كثير من الآليات عن العمل لغياب المازوت.
في إحدى المحطات، قرب الحجر الأسود جنوبي دمشق، يقف حوالي مائتي شخص من رجال ونساء وأطفال لتعبئة غالون واحد.
يهدئ عمال المحطة الناس قبل ساعتين من وصول صهريج كبير معبأ بالمازوت.
الكل يريد المازوت.
ينتهي الصهريج من تعبئة شحنته، ويبدأ العمل ويتوزع بين شاحنات كبيرة تنتظر منذ ساعات و"ميكروباصات" وبشر.. الكل يريد التدفئة في شتاء يكاد يكون استثنائيا في برودته.
تنتظم السيارات في دورها لكن من يحملون الغالونات لا يمكن التحكم فيهم.
يستطيع نحو نصف المتجمعين الحصول على الكنز، ويقتنع النصف الباقي بترك غالوناتهم إلى الساعة ذاتها من اليوم القادم.
بكاء امرأة
بكاء امرأة يثير الانتباه وهي تتوسل للحصول ولو على عشرة لترات لأطفالها الأربعة القابعين بالمنزل دون مازوت منذ أسبوع. لا يهتم معظم الموجودين ببكائها وقد بدا عليها الفقر والبؤس .
تصيح السيدة أنها لا تملك أكثر من مائتي ليرة "استدانتها" من أجل غالون المازوت الذي لم تحصل عليه.
اللتر يباع بنحو 16 ليرة بالمحطات وسعره يصل إلى 25 لدى الباعة المتجولين.
يعرض بعضهم منحها حصته لكنها تأبى وتخرج مكسورة الجناح ككثيرين غيرها، وإن كانوا يغادرون دون نواح.
أحد العاملين بالمحطة يؤكد أنه لا يوجد مازوت والكميات الواردة لا تعادل ربع المطلوب.
يخشى هذا الشاب أن تتطور الأزمة حتى يؤثر المازوت على عمل حافلات النقل العامة وأفران الخبز.
المصدر:الجزيرة